فصل: بمصر سبع خلجانات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وقال الكندي في حق مصر وأعمالها‏:‏ جبلها مقدس ونيلها مبارك وبها الطور حيث كلم الله تعالى نبيه موسى وبها الوادي المقدس وبها ألقى موسى عصاه وبها فلق الله البحر لموسى وبها ولد موسى وهارون عليهما السلام ويوسع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان وعيسى ابن مريم ولدته أمه بأهناس وبها النخلة التي ذكرها الله تعالى لمريم ولما سار عيسى إلى الشأم وأخذ على سفح المقطم ماشيًا عليه جبة صوف مربوط الوسط بشريط وأمه تمشي خلفه فالتفت إليها وقال‏:‏ يا أماه هذه مقبرة أمة محمد وكان بمصر إبراهيم الخليل وإسماعيل ويعقوب ويوسف واثنا عشر سبطًا‏.‏

ومن فضائلها‏:‏ أنها فرضة الد نيا يحمل من خيرها إلى سواحلها وبها ملك يوسف عليه السلام وبها مساجد إبراهيم ويعقوب وموسى ويوسف عليهم السلام وبها البرابي العجيبة والهرمان وليس على وجه الأرض بناء باليد حجرًا على حجر أطول منهما‏.‏

وقال أبو الصلت‏:‏ طول كل عمود منهما ثلاثمائة وسبعة عشر ذراعًا ولكل أربعة أسطحة ملسات متساويات الأضلاع طول كل ضلع أربعمائة وسبعون ذراعًا واختلف فيمن بناهما فقيل‏:‏ شداد بن عاد وقيل‏:‏ سويرد وقيل‏:‏ سويد بناهما في ستة أشهر وغشاهما بالديباج الملون وأودعهما الأموال والذخائر والعلوم خوفًا من طوفان يأتي‏.‏

وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب‏:‏ بناهما سويرد بن سلهوق بن سرياق بن ترميل دون بن قحرشان بن هو صال أحد ملوك مصر قبل الطوفان الذين كانوا يسكنون مدينة الاشمونين‏.‏

والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوة سحرهم‏.‏

وهذا يؤيد قول من قال بعدم بناء شداد بن عاد لهما‏.‏

قال‏:‏ وسبب بناء الهرمين العظيمين اللذين بمصر أنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة قد رأى سويرد في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها وكأن الناس قد هربوا على وجوههم وكأن الكواكب تتساقط ويصدم بعضها بعضًا بأصوات هائلة فأغمه ذلك ولم يذكره لأحد وعلم أنه سيحدث في العالم أمر عظيم ثم رأى بعد مدة منامًا آخر أزعجه أكثر من الأول فدخل إلى هيكل الشمس وتضرع ومرغ وجهه على التراب وبكى فلما أصبح جمع رؤساء الكهنة من جميع أهل مصر وكانوا مائة وثلاثين كاهنًا فخلا بهم وذكر لهم ماراه أولًا وآخرًا فأولوه بأمر عظيم يحدث في العالم ثم حكى بعض الكهنة أيضًا‏:‏ أنه رأى منامًا أعظم من هذا المنام في معناه ثم أخذوا الارتفاع للكواكب وأخبروه بالطوفان وبعده بالنار التي تخرج من برج الأسد فقال‏:‏ انظروا هل تلحق هذه الآفة بلادنا‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم فأمر ببناء الأهرام وجعل في داخله الطلسمات والأموال وأجساد ملوكهم وأمر الكهنة أن يزبروا عليها جميع ما قالته الحكماء فزبروا فيها وفي سقوفها وحيطانها جميع العلوم الماضية وصوروا فيها صور الكواكب وعليها الطلسمات وجعل طول كل هرم مائة ذراع بالذراع الملكي وهو خمسمائة ذراع بذراعنا الآن‏.‏

ولما فرغت كساها الديباج الملون وعمل لهم عيدًا حضره أهل ملتهم ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنا من حجارة صوان ملونة ملئت بالأموال الجمة والآلات والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة وآلات الحديد الفاخرة والسلاح الذي لا يصدأ والزجاج الذي ينطوي ولا ينكسر وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة والسموم القاتلة ثم عمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب وما عمله أجداده من أشياء يطول شرحها‏.‏

ويقال‏:‏ إن هرمس المثلث الموصوف بالحكمة وهو الذي تسميه العبرانيون خنوخ وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه الذهاب والدثور وكل هرم منها ارتفاعه ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعًا يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعًا ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان عليه حجر شبه المكبة فرمته الزياح العواصف وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين‏.‏

ويقال‏:‏ إن لهما أبوابا مقبية في الأرض وكل باب من حجر واحد يدور بلولب إذا أطبق لم يعلم أنه باب يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت كل بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة وكلها مقفلة بأقفال حديد وحذاء كل بيت منها صنم من ذهب مجوف إحدى يديه على فيه وفي جبهته كتابة بالمسند إذا قرئت انفتح فوه فيوجد فيه مفاتيح ذلك القفل فيفتح ولما ولي المأمون الخلافة وورد مصر أمر بفتح واحد منها ففتح بعد عناء طويل واتفق لسعادته أنه وقع النقب على مكان يسلك منه إلى الغرض المطلوب وهو زلاقة ضيقة من الحجر الصوان المانع الذي لا يعمل فيه الحديد بين حاجزين ملتصقين بالحائط قد نقر في الزلاقة حفر يتمسك السالك بتلك الحفر ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزلق وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر ويقال‏:‏ إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض من حجر مغطى فلما كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية فأمر المأمون بالكف عما سواه‏.‏

وهذا الموضع يدخله الناس إلى وقتنا هذا‏.‏

ويقال‏:‏ إن المأمون أنفق على النقب جملة اختلف المؤرخون في كميتها‏.‏

فلما انتهى به النقب إلى الموضع المربع المذكور وجد فيه جامًا من زمرد مغطى فكشف فوجد فيه ذلك المقدار الذي أنفقه من غير زيادة على ذلك - واستمر ذلك إلجام في ذخائر الخلفاء إلى وقعة هولاكو ببغداد - فقال‏:‏ الحمد لله الذي رد علينا ما أنفقناه‏.‏

وقيل‏:‏ إن الأمير أحمد بن طولون سأل بعض علماء الأقباط المعمرين - ممن رأى الرابع عشر من ولد وللي - عن الأهرام فقال‏:‏ إنها قبور الملوك كان الملك منهم إذا مات وضع في حوض حجارة يسمى أتجرون ثم يبنى عليه الهرم ثم يقنطر عليه البنيان والقباب ثم يرفعون البناء على هذا المقدار الذي ترونه ويجعل باب الهرم تحت الهرم ثم يجعل له طريق في الأرض بعقد أزج فيكون طول الأزج تحت الأرض مائة ذراع أو أكثر ولكل هرم من هذه الأهرام باب مدخله على ما وصفت فقيل له‏:‏ كيف بنيت هذه الأهرام المملسه وعلى أي شيء كانوا يصعدون ويبنون وعلى أي شيء كانوا يضعون الآلات ويحملون الحجارة العظيمة التي لا يقدر أهل زماننا هذا على أن يحركوا الحجر الواحد إلا بجهد فقال‏:‏ كان القوم يبنون الهرم مدرجا فإذا فرغوا منه نحتوه من فوق إلى أسفل قلت‏:‏ وهذا أصعب من الأول قال‏:‏ فكانت هذه حيلتهم وكانوا مع هذا لهم قمر وصبر وطاعة لملوكهم ديانة فقيل له‏:‏ ما بال هذه الكتابة التي على الأهرام والبرابي لا تقرأ قال‏:‏ فصب الحكماء الذين كان هذا قلمهم وتداول أرض مصر الأمم فغلب على أهلها القلم الرومي كأشكال أحرف القبط والروم فالقبط تقرؤه على حسب تعارفها إياه وخلطها لأحرف الروم بأحرفها على حسب ما ولدوا من الكتابة بين الرومي والقبطي الأول فذهب عنهم كتابة آبائهم السالفة وصاروا لا يعرفونها وهي هذه الكتابة التي على الأهرام وغيرها‏.‏

انتهى أمر الهرم‏.‏

وقد نظم عمارة اليمني فيهما فقال‏:‏ الطويل خليلي ما تحت السماء بنية تماثل في إتقانها هرمي مصر تنزه طرفي في بديع بنائها و لم يتنزه في المراد بها فكري وقال سعد الدين بن جبارة في المعنى‏:‏ الكامل لله أي غريبة و عجيبةٍ في صنعة الأهرام للألباب أخفت عن الأسماع قصة أهلها ونضت عن الإبداع كل نقاب فكأنما هي كالخيام مقامة من غير ما عمدٍ ولا أطناب وبالقرب من الأهرام صنم على صورة إنسان تسميه العامة أبا الهول لعظمه والقبط يزعمون أنه طلسم للرمل الذي هناك لئلا يغلب على أرض الجيزة‏.‏

وأما السحرة الذين كانوا بمصر في زمان فرعون فكانوا كما ذكر يزيد بن أبي حبيب اثني عشر ساحرًا رؤساء وتحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفًا تحت يد كل عريف منهم ألف من السحرة فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفًا ومائتين واثنين وخمسين إنسان بالرؤساء والعرفاء‏.‏

وعن محمد بن المنكدر‏:‏ كان السحرة ثمانين ألفًا فلما عاينوا ما عاينوا أيقنوا أن ذلك من السماء وأن السحر لا يقوم بأمر الله فخر الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجدا فاتبعهم العرفاء واتبع العرفاء من بقي قالوا‏:‏ آمنا برب العالمين رب موسى وهارون وكانوا من ما بمصر من الأعاجيب والمباني فبها عمود مدينة عين شمس الذي تسميه العامة مسلة فرعون‏.‏

وبها صدع أبي قير وهو موضع في الجبل يجتمع إليه في يوم مخصوص في السنة جميع جنس الطير وبالجبل طاقة يدخل فيها كل طير يأتي إليه ثم يخرج من وقته حتى ينتهي إلى آخر الطير فتقبض عليه ويموت فيها‏.‏

وبها مجمع البحرين وهو البرزخ وهما بحر الروم والصين والحاجز بينهما مسيرة ليلة واحدة ما بين القلزم والفرما‏.‏

وبها ما ليس في غيرها وهو حيوان السقنقور والنمس ولولاه أكلت الثعابين أهلها وهو كقنافذ سجستان لأهلها‏.‏

وبها دهن البلسان وليس ينبت عرقه إلا بمصر خاصة‏.‏

وبها معدن الذهب والزمرد وليس في الدنيا معدن زمرد سواه‏.‏

وبها معدن النفط والشب والبرام والرخام‏.‏

وبها الأفيون وهو عصارة الخشخاش وقيل‏:‏ بها سائر المعادن وبها الأبنوس‏.‏

وبها أحجر السنباذج الذي يقطع به سائر الأحجار وأشياء غير ذلك سكتنا عنها خوف الإطالة‏.‏

وأما مصر تلك الأيام فكانت مبانيها وأماكنها في غير مصر الآن‏.‏

وموضع مصر قديمًا هي البقعة الآن الخراب عند حدرة ابن قميحة والكيمان التي عند قبر القاضي بكار إلى المشهد وأما قطائع ابن طولون فيأتي ذكرها في ترجمته وبيان أماكنها‏.‏

قال الشريف النسابة الثقة محمد بن أسعد الجواني في كتابه المسمى النقط لمعجم ما أشكل من الخطط‏:‏ سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروف بالصمصام يقول‏:‏ في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة حدثني القاضي أبو الحسن علي بن الحسين الخلعي عن القاضي القضاعي أبي عبد الله أنه قال‏:‏ كان في مصر من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد وثمانية آلاف شارع مسلوك وألف ومائة وسبعون حمامًا وأن أبا الحسن بن حمزة الحسني ذكر أنه عرض له دخول حمام سالم الذي عند درب سالم في أول القرافة يعني حمام جنادة بن عيسى المعافري الذي عند مصبغة الحفارين المعروفة بفسقية ابن طولون - قلت‏:‏ وفسقية ابن طولون هي عند المقبرة الكبيرة على يسرة المتوجه إلى القرافة بالقرب من قبر القاضي بكار - قال‏:‏ وإنه ما وصل إليه إلا بعد عناء من الزحام وإنه كانت قبالة الحمام في كل يوم جمعة خمسمائة درهم‏.‏

قلت‏:‏ وكانت الخمسمائة درهم يوم ذاك نحو اثنين وأربعين د ينارا إلا ثلثًا لأن الدينار كان صرفه يوم ذاك اثني عشر درهمًا‏.‏

انتهى كلام الشريف‏.‏

قلت‏:‏ وذهبت تلك الأماكن بأجمعها عند خراب قطائع ابن طولون لما أخربها محمد بن سليمان الكاتب لا سيما لما بنيت القاهرة في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة على ما يأتي ذكر ذلك في وأما ظاهر القاهرة من جهاتها الأربع فقد تجدد ذلك كله في الدولة التركية ومعظمه في دولة ابن قلاوون محمد على ما يأتي بيان ذلك في ترجمته لأننا نذكر كل مكان تجدد في أيام سلطانه كما شرطناه في أول هذا الكتاب‏.‏

محاسن مصر وأما محاسن مصر فكثيرة‏:‏ من ذلك ما قاله الشيخ الإمام الفقيه أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق‏:‏ إن من محاسن مصر اعتدال هوائها في حرها وبردها وإن مزاج هوائها لا يقطع أحد ًا عن التصرف كما يقطع حر بغداد أهلها عن التصرف في معايشهم ويخلو أكثر الطرقات بها نهارًا وكذلك بردها وإن برد مصر ربيع وحرها قيظ‏.‏

وقدم رجل من بغداد إلى مصر فقيل له‏:‏ ما أقدمك فقال‏:‏ فررت من كثرة الصياح في كل ليلة‏:‏ يا غافلين‏!‏ الصلاة لاختفائهم من الحر والبرد فإن حر بغداد وبردها يقطعان أهلها عن التصرف حتى إنهم يكمنون في بطن الأرض من شدة الحر في الصيف وتطوف الحراس في بعض المواضع نهارًا لاختفاء الناس في بطون الأرض من شدة الحر‏.‏

انتهى كلام ابن زولاق‏.‏

قلت‏:‏ وأما برد الشمال والروم فلا حاجة لذكره لعظم البرد وكثرة الثلوج والأمطار وغير ذلك‏.‏

قال ابن زولاق أيضًا‏:‏ ومن ذلك الأقوات والميرة التي لا قوام لأحد في بلد إلا بها فإن مصر تمير أهلها والساكنين بها وبأعمالها وتمير الحرمين الشريفين والوافدين إليها من الأقطار وما تجد بلدًا إلا وتصل إليها ميرة مصر وبغداد لا تمير أهلها فضلًا عن غيرهم لأن طعامها وأقوات ساكنيها من الموصل وأعماله والفرات وأعماله وديار مضر وربيعة‏.‏

وأما بغداد فإنها تمير نفسها أربعة أشهر وتميرها الموصل أربعة أشهر وتميرها واسط أربعة أشهر وكذلك البصرة أيضًا لا تمير نفسها وإنما تميرها واسط والأهواز ولما حل الغلاء ببغداد نزح عنها أهلها وأثر فيها إلى اليوم‏.‏

وكان بمصر غلاء في سنة ثلاث وسبعين ومائتين وغلاء في سنة أربع عشرة وثلاثمائة وغلاء في سنة عشرين وثلاثمائة وغلاء في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وغلاء في سنه ست وسبع وثمان وخمسين وثلاثمائة فما أثر ذلك فيها‏.‏

قلت‏:‏ هذا وما وصل القائل إلى غلاء سني المستنصر بالديار المصرية من سنة ست وخمسين إلى سنة خمس وستين وخمسمائة التي شبهت بأيام يوسف عليه السلام ولم يقع بمصر غلاء مثله قبله ولا بعده وبعد ذلك تراجع أمر مصر في مدة يسيرة وعاد ت إلى ما كانت عليه أولًا‏.‏

يأتي ذكر هذا الغلاء وغيره في ترجمة الخليفة المعز العبيدي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وهذا القياس الذي ذكرناه بين مصر وبغداد إنما كان تلك الأيام التي كان بها يومئذ عظماء خلفاء بني العباس وكانت مصر تلك الأيام يليها عامل من قبل أمير من أمراء الخلفاء وأما يومنا هذا فلا تقاس مصر بالعراق جميعه بل تزيد محاسنها على جميع أقطار الأرض ولولا خشية الإطالة لبينا ذلك ولكن فيما ذكرناه من محاسن مصر وما اشتملت عليه من الطرائف كفاية عن الإطناب فيها‏.‏

وأما خراج مصر قديمًا فقيل‏:‏ إن كيقاوس أحد ملوك القبط الأول جبى خراجها فجاء مائة ألف ألف وثلاثين ألف د ينار وجباه عزيز مصر مائة ألف ألف د ينار وجباه عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في الإسلام اثني عشر ألف ألف دينار ثم رذل إلى أن جباه أحمد بن طولون في سنة ستين ومائتين أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار مع ما يضاف إليه من ضياع الأمراء ثم جباه جوهر القائد خادم المعز العبيدي ثلاثة آلاف ألف دينار ومائتي ألف دينار في سنة ستين وثلاثمائة‏.‏

وسبب نزول خراج مصر أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في حفر ترعها وإتقان جسورها وإزالة ما هو شاغل للأرض عن الزراعة كالقصب والحلفاء والقضاب وغير ذلك‏.‏

وحكى عبد الله بن لهيعة‏:‏ أن المرتبين لذلك كانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل‏:‏ سبعون ألفًا بصعيد مصر وخمسون ألفًا بالوجه البحري‏.‏

وحكى ابن زولاق‏:‏ أن أحمد بن المدبر لما ولي خراج مصر كشف أرضها فوجد غامرها أكثر من عامرها فقال‏:‏ والله لو عمرها السلطان لوفت له بخراج الد نيا‏.‏

وقيل‏:‏ إنها مسحت في أيام هشام بن عبد الملك فكان ما يركبه الماء الغامر والعامر مائة ألف ألف فدان والفدان أربعمائة قصبة والقصبة عشرة أذرع‏.‏

وقيل‏:‏ إن أحمد بن المدبر المذكور اعتبر ما يصلح للزراعة بمصر فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان والباقي مستبحر وتلف من قلة الزراعة واعتبر أيضا مدة الحرث فوجدها ستين يومًا والحراث يحرث خمسين فدانا فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وثمانين ألف حراث‏.‏

قلت‏:‏ هذا خلاف ما رئي من الجزائر في الإسلام مثل جزيرة بني نصر وجزيرة الذهب وغيرهما قبلي وبحري وأيضا خلاف إقليم البحيرة والبحيرة كان أصلها كرمًا لامرأة المقوقس وكانت تأخذ خراجها الخمر بفريضة عليهم فكثر الخمر عليها فقالت‏:‏ لا حاجة لي بالخمر أعطوني دنانير فلم تجدها معهم فأرسلت على الكرم الماء فغرقتها فصارت بحيرة يصاد بها السمك حتى استخرجها بنو العباس فسدوا جسورها وزرعوها ونمت واستمرت في زيادة إلى يومنا هذا وبقي ذلك اسما عليها لا تعرف إلا بالبحيرة‏.‏

قيل‏:‏ إنه كان اسمها في الدهر الأول زجلة من المزاجلة وقال قوم‏:‏ سميت بمصريم بن مركائيل بن دوابيل بن غرياب بن آدم وهذا هو مصر الأول وقيل‏:‏ بل سميت بمصر الثاني وهو مصرام بن نقراوش الجبار بن مصريم الأول المقدم ذكره وقيل‏:‏ سميت بعد الطوفان بمصر الثالث وهو مصر بن بيصر بن حام بن نوح وهو اسم أعجمي لا ينصرف وقيل‏:‏ هو اسم عربي مشتق ولكل قائل دليل وقيل غير ذلك أقوال كثيرة يأتي ذكر بعضها‏.‏

قال المسعودي في تاريخه‏:‏ إن بني آدم لما تحاسدوا وبغى عليهم بنو قابيل بن آدم ركب نقراوش الجبار ابن مصريم المقدم ذكره في نيف وسبعين راكبًا من بني غرياب بن آدم جبابرة كلهم يطلبون موضعًا من الأرض ليقطنوا فيه فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا المشي عليه فلما رأوا سعة هذا البلد أعجبهم وقالوا‏:‏ هذا بلد زرع وعمارة فأقاموا فيه واستوطنوه وبنوا فيه الأبنية المحكمة والمصانع العجيبة وبنى نقراوش بن مصريم مصر وسماها باسم أبيه مصريم ثم لما ملك قال لبنيه‏:‏ إني أريد أن أصنع مدينة ثم أمرهم ببنيان مدينة في موضع خيمته فقطعوا الصخور من الجبال وأثاروا معادن الرصاص وبنوا دورا وزرعوا وعمروا الأرض ثم أمرهم ببناء المدائن والقرى وأسكن كل ناحية من الأرض من رأى ثم حفروا النيل حتى أخرجوا ماءه إليهم ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري وإنما كان ينبطح ويتفرق في الأرض فهندسوه وشقوا منه أنهارًا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها وشقوا منه نهرًا إلى مدينتهم أمسوس يجري في وسطها ثم سميت مصر بعد الطوفان بمصر بن بيصر بن حام بن نوح على ما نذكره هنا أيضًا‏.‏

ويقال‏:‏ إن مصر هذا غرس الأشجار بيده فجاءت ثمارها عظيمةً بحيث إنه كان يشق الأترجة نصفين لنوح يحمل البعير نصفها وكان القثاء يومئذ في طول أربعة عشر شبرًا ويقال‏:‏ إنه أول من وضع السفن وإن سفينته كانت ثلاثمائة ذراع في عرض مائة ذراع‏.‏

ويقال‏:‏ إن مصرايم نكح امرأة من بنات الكهنة فولدت ولدًا يقال له قبطيم ونكح قبطيم بعد سبعين سنه من عمره امرأة ولدت له أربعة نفر‏:‏ قفطريم وأشمون وأتريب وصا فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها‏.‏

وقيل‏:‏ إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثين رجلًا فبنوا مدينة سموها مافة ومعنى مافة ثلاثون بلغتهم وهي مدينة منف التي تسمى الأن‏:‏ منوف العليا وكشف لهم أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومهم والطلسمات والمعادن ووصفوا لهم عمل الصنعة وبنوا على عبر البحر مدنًا‏:‏ منها رقودة مكان الإسكندرية ولما حضرت مصرايم الوفاة عهد إلى ولده قبطيم وكان قد قسم أرض مصر بين بنيه فجعل لقفطريم من فقط إلى أسوان ولأشمون من أشمون إلى منف ولأتريب الحوف كله ولصا من ناحية صا البحيرة إلى قرب برقة وقال لأخيه فارق‏:‏ لك من برقة إلى المغرب فهو صاحب إفريقية وأولاده الأفارق وأمر كل واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربًا وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض ويجعلوا فيه جسده ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب والجوهر ويزبروا عليه أسماء الله المانعة من أخذه فحفروا له سربًا طوله مائة وخمسون ذراعًا وجعلوا في وسطه مجلسًا مصفحًا بصفائح الذهب وجعلوا له أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر وهو جالس على كرسي من ذهب قوائمه من زمرد وزبروا في صدر كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جرن مرمر مصفح بالذهب وكانت وفاة مصرايم المذكور بعد الطوفان بسبعمائة سنة ومات ولم يعبد الأصنام وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط وألف تمثال من الجوهر النفيس وألف برنية مملوءة من الدر الفاخر والعقاقير والطلسمات العجيبة وسبائك الذهب وسقفوا ذلك بالصخور وهالوا فوقها الرمال بين جبلين وولي ابنه قبطيم الملك‏.‏

من دخل مصر من ا لصحابة ودخل مصر من الصحابة ممن تقدم ذكرهم في فتح مصر وغيرهم جماعه‏:‏ الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعمرو بن العاص وعمرو بن علقمة وشرحبيل بن حسنة وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وخارجة بن حذافة ومحمد بن مسلمة وأبو رافع ومسلمة بن مخلد وأبو أيوب ونافع بن مالك ومعاوية بن حديج وعمار بن ياسر وخالد بن الوليد وغيرهم - رضوان الله عليهم أجمعين‏.‏

ودخلها من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين‏:‏ يعقوب وأولاده وهم‏:‏ يوسف ويهوذا وروبيل ولاوي وزبالون وشمعون ويشحر ود نيا ودانا وديفتابيل وجاد وبنيامين‏.‏

ودخلها موسى وهارون وبها ولد عيسى ابن مريم‏.‏

وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان وأخلاق سكانها فقال‏:‏ إن الله عز وجل لما خلق الأشياء جعل كل شيء لشي فقال العقل‏:‏ أنا لاحق بالشأم فقالت الفتنة‏:‏ وأنا معك فقال الخصب‏:‏ أنا لاحق بمصر فقال الذل‏:‏ وأنا معك وقال الشقاء‏:‏ أنا لاحق بالبادية فقالت الصحة‏:‏ وأنا معك وقال البخل‏:‏ أنا لاحق بالمغرب فقال سوء الخلق‏:‏ وأنا معك‏.‏

ويقال‏:‏ لما خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق‏:‏ الإيمان والحياء والنجدة والفتنة والكبر والنفاق والغنى والفقر والذل والشقاء فقال الإيمان‏:‏ أنا لاحق باليمن فقال الحياء‏:‏ وأنا معك وقالت النجمة‏:‏ وأنا لاحقة بالشأم فقالت الفتنة‏:‏ وأنا معك وقال الكبر‏:‏ أنا لاحق بالعراق فقال النفاق‏:‏ وأنا معك وقال الغنى‏:‏ أنا لاحق بمصر فقال الذل‏:‏ وأنا معك وقال الفقر‏:‏ أنا لاحق بالبادية فقال الشقاء‏:‏ وأنا معك‏.‏

وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال‏:‏ المكر عشرة أجزاء‏:‏ تسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس‏.‏

ما ورد من الأشعار في وصف مصر ووصف ابن القرية مصر فقال‏:‏ عبيد لمن غلب أكيس الناس صغارًا وأجهلهم كبارًا‏.‏

وقال المسعودي في تاريخه‏:‏ قال بعض الشعراء يصف مصر‏:‏ السريع مصر ومصر شأنها عجيب ونيلها يجري به الجنوب قلت‏:‏ وقد قيل في مصر عدة قصائد ومقطعات ذكرنا منها نبذة في تاريخنا حوادث الدهور عند وفاء النيل في كل سنة‏.‏

منها ما قاله الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي‏:‏ المجتث لم لا أهيم بمصرٍ وأرتضيها وأعشق وما ترى العين أحلى من مائها إن تملق وفي المعنى للشيخ زين الدين عمر بن الوردي - رضي الله عنه‏:‏ ديار مصر هي الدنيا وساكنها هم الأنام فقابلها بتقبيل يا من يباهي ببغدادٍ ودجلتها مصر مقدمة والشرح للنيل وأبدع منه ما قيل في المعنى أيضا لابن سلار‏:‏ الطويل لعمرك ما مصر بمصرٍ وإنما هي الجنة العليا لمن يتذكر وأولادها الولدان من نسل أدم وروضتها الفردوس والنيل كوثر وللقاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري في هذا المعنى‏:‏ الكامل ما مثل مصرٍفي زمان ربيعها لصفاء ماءٍ واعتدال نسيم # أقسمت ما تحوي البلاد نظيرها لما نظرت إلى جمال وسيم وله أيضًا - رضي الله عنه - وأبدع‏:‏ مجزوء الرجز لمصر فضل باهر لعيشها الرغد النضر في كل سفح يلتقي ماء الحياة والخضر وللصفي الحفلي في القاهرة‏:‏ الكامل لله قاهرة المعز فإنها بلد تخصص بالمسرة والهنا أو ما ترى في كل قطر منيةً من جانبيها فهي مجتمع المنى وتربتها تبر يلوح وعنبر يفوح وتلقى بعد حياتها زمردة خضراء قد زين قرطها بلؤلؤة بيضاء من زهراتها ولابن الصائغ الحنفي في المعنى وأجاد‏:‏ مخلع البسيط ارض بمصرٍ فتلك أرض من كل فن بها فنون ونيلها العذب ذاك بحر ما نظرت مثله العيون وللشيخ برهان الدين القيراطي‏:‏ المنسرح روت لنا مصر عن فواكهها أخبار صدقٍ صحيحة الخبر وكل ما صص من محاسنها أرويه من خوخها عن الزهري وله أيضًا‏:‏ الطويل حلانيل مصٍر وهو شهدو من يذق حلاوته يوما من الناس يشهد أيا بردى بالشؤم إن ذبت حسرةً وغيظًا فلا تهلك أسًى وتجلد وقال غيره في المعنى‏:‏ مجزوء الكامل النيل قال وقوله إذ قال ملء مسامعي وللشريف العقيلي في المعنى - رضي الله عنه‏:‏ الطويل أحن إلى الفسطاط شوقًا وإنني لأدعو لها ألا يحل بها القطر وهل في الحيا من حاجةٍ لجنابها وفي كل قطر من جوانبها نهر تبدت عروسًا والمقطم تاجها ومن نيلها عقد كما انتظم الدر فائدة‏:‏ إذا أردت أن تعلم كم تكون زيادة النيل في السنة فاحسب يوم عيد ميكائيل وهو ثاني عشر بؤونة كم يكون في الشهر العربي من يوم وزد فوقه تسعين يومًا وخذ سدس الجميع تكون عدة أفرع النيل في تلك السنة‏.‏

ولولا خشية الإطالة لذكرنا من هذا نبذًا كثيرة ومن أراد الإكثار من ذلك فليراجع تاريخنا حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور فإنني ذكرت من ذلك عدة مقطعات عند وفاء النيل في كل سنة‏.‏

ونعود الآن إلى كلام المسعودي قال‏:‏ وهي مصر واسمها كمعناها وعلى اسمها سميت الأمصار ومنها اشتق هذا الاسم عند علماء المصريين‏.‏

ثم ذكر المسعودي زيادة النيل ونقصانه نحوًا مما ذكرناه إلى أن قال‏:‏ فإذا انتهت الزيادة إلى ست عشرة ذراعًا ففيه تمام الخراج وخصب الأرض وريع للبلد عام وهو ضار للبهائم لعدم المرعى والكلأ وفي سبع عشرة ذراعًا كفايتها وري جميع أرضها وإذا زاد على السبع عشرة وبلغ الثمان عشرة ذراعًا وأغلقها استبحر من أرض مصر الربع وفي ذلك ضرر لبعض الضياع لما ذكرناه من وجه الاستبحار وغير ذلك وإذا كانت الزيادة ثمان عشرة ذراعًا كانت العاقبة في انصرافه حدوث وباء بمصر وأكثر الزيادات ثمان عشرة ذراعًا وقد كان النيل بلغ في زيادته تسع عشرة ذراعًا سنة تسع وتسعين في خلافة عمر بن عبد العزيز‏.‏

قلت‏:‏ وكلام المسعودي بهذا القول في عصر الأربعمائة من الهجرة قبل أن تعلو الأراضي ويحتاج إلى بلوغه إحدى وعشرين ذراعًا وأكثر ولو رأى عصرنا هذا لكان يرجع فيه عن مقالته وطلب الزيادة‏.‏

قال‏:‏ ومساحة الذراع إلى أن يبلغ اثني عشر ذراعًا ثمان وعشرون إصبعًا ومن اثني عشر ذراعًا إلى ما فوق يصير الذراع أربعًا وعشرين إصبعًا‏.‏

قال‏:‏ وأقل ما يبقى في قاع المقياس من الماء ثلاث أذرع وفي مثل تلك السنة يكون الماء قليلًا‏.‏

قال‏:‏ والذرع التي يستسقى عليها بمصر هي ذراعان تسميان بمنكر ونكير وهي الذراع الثالث عشر والذراع الرابع عشر فإذا انصرف الماء في هذين الذراعين أعني ثلاثة عشر وأربعة عشر وزيادة نصف ذراع من الخمسة عشر استسقى الناس بمصر وكان الضرر شاملًا لكل البلدان وإذا تم خمس عشرة ودخل في ست عشرة ذراعًا كان فيه صلاح لبعض البلاد ولا يستسقى فيه وكان ذلك نقصًا من خراج السلطان‏.‏

قلت‏:‏ ونذكر أيضًا من أخبار نيل مصر وما كان بها من المقاييس في الجاهلية والإسلام عندما نذكر بناء المتوكل لمقياس مصر المعهود الآن في ترجمة يزيد بن عبد الله التركي لما ولي إمرة مصر في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين هجرية بأوسع من هذا فلينظر هناك‏.‏

قال‏:‏ والترع التي بغيضة مصر أربع أمهات أسماؤها‏:‏ ترعة ذنب التمساح وترعة بلقينة وخليج سردوس وخليج ذات الساحل وتفتح هذه الترع إذا كان الماء زائدًا في عيد الصليب وهو لأربع عشرة تخلو من توت وهو أول أيلول‏.‏

قال‏:‏ وكان

 بمصر سبع خلجانات

‏:‏ فمنها خليج الإسكندرية وخليج سخا وخليج دمياط وخليج منف وخليج الفيوم وخليج سردوس وخليج المنهى وكانت مصر فيما يذكر أهل الخبرة أكثر البلاد جنانًا وذلك أن جنانها كانت متصلة بحافتي النيل من أوله إلى آخره من حد أسوان إلى رشيد وكان الماء إذا بلغ في زيادته تسع أذرع دخل خليج المنهى وخليج الفيوم وخليج سردوس وخليج سخا‏.‏

وكان الذي ولي حفر خليج سردوس لفرعون عدو الله هامان فلما ابتدأ في حفره أتاه أهل القرى يسألونه أن يجري الخليج تحت قراهم ويعطونه على ذلك ما أراد من المال فكان يعمل ذلك حتى اجتمعت له أموال عظيمة فحمل تلك الأموال إلى فرعون فسأله فرعون عنها فأخبره الخبر فقال فرعون‏:‏ إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ويفيض عليهم معروفه ولا يرغب فيما في أيديهم ونحن أحق بمن يفعل هذا بعبيده فاردد على أهل كل قرية ما أخذته منهم ففعل هامان ذلك‏.‏

وليس في خلجان مصر أكثر عطوفًا وعراقيل من خليج سردوس‏.‏

وأما خليج الفيوم وخليج المنهى فإن الذي حفرهما يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما وسلم‏.‏

قلت‏:‏ والآن نأتي بما وعدنا بذكره من أخبار من ملك مصر قبل الإسلام على أنه ليس في شرطنا من هذا الكتاب وإنما نذكره على سبيل الاختصار لتعلم بذلك أحوال مصر قديمًا وحديثًا كما ذكرنا هذا كله ليعلم الناظر فيه أمورها على سبيل الاستطراد إلى أن نذكر ما صنف هذا الكتاب بسببه وهم ملوك مصر وأول من نذكر منهم عمرو بن العاص - رضي الله عنه ثم نسوق التاريخ من حينئذ على منواله دولًا دولًا لا نخرج منه إلى غيره إلا ما مست الحاجة إلى ذكره استطرادًا والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏